الخميس، 26 ديسمبر 2013

فى انتظار . . . "3"

وعلى صوت أذان الفجر, تستيقظ من نومها, تقوم وتأخذ حماما ساخنا, لتطرأ على ذهنها تلك الفكرة.
تخرج لتقف فى مواجهة النافذة المفتوحة, بينما لا تزال قطرات الماء تتساقط من خصلات شعرها المموجة المبللة, تشعل سيجارة وتنفث دخانها فى الهواء البارد الذى يضرب بوجهها. تمسك السيجارة بيد, بينما تضم يدها الأخرى إلى صدرها, تلقى بنظرة طويلة المدى إلى الأسفل, ليفاجئها جرس ساعة المنبه كما اعتاد أن يدق فى تلك الساعة من كل يوم. 
تقذف بالسيجارة خارجا, وتغلق الستار, ومن ثم تتجه إلى الدولاب لاختيار ما ترتديه, فتضع معطفا أسود من التويد, وتحليه بوشاح قرمزى اللون, مرتدية حذاءها الجلدى وحقيبتها الcross. تقف أمام المرآة قليلا تحاول أن تلملم شعرها لتقرر فى النهاية أن تتركه منسدلا أسفل ظهرها, ومن ثم تتجه خارج الغرفة وتصفع الباب من خلفها.

-صباح الخير يا حبيبتى
-صباح الخير يا ماما, معلش مستعجلة
-مش هتفطرى يعنى ؟
-لأ مش هالحق, يلا سلام

تنزل الدَرَج مُهرولةً, وتقف فى الشارع منتظرة.

- تاكسى ؟
-على فين ؟
-محطة مصر لو سمحت !

تصعد إلى السيارة, وتترك الشباك مفتوحا لتشعر بالهواء يتغلغل إلى صدرها, تأخذ نفسا عميقا وترتسم على وجهها ابتسامة صافية استطاعت أن تشع النور فى ملامحها, ابتسامة ربما كانت قد نسيتها منذ زمن.
لم يمض الكثير لتجد نفسها امام المحطة, تترجل خارج السيارة, وهناك عند شباك التذاكر تقف 

-تذكرة لاسكندرية لو سمحت!


تصعد إلى القطار, وتتجه إلى مقعدها الكامن بجوار النافذة, تسمع الصافرة معلنة بدء تحرك القطار, وتبدأ الرحلة.
ظلت طوال الطريق مُحلقة بالخارج, تستمع إلى صوت احتكاك عربات القطار بالقضبان الحديدية, لم تنتبه إلى أى مما كان يحدث حولها, فقط تنظر وتفكر فى آخر مرة سافرت فيها إلى الأسكندرية, كان ذلك منذ زمن. 
تفكر فى آخر مرة قامت بشئ كانت تود القيام به حقا, شئ أرادته, شئ أحبته. حقيقةً هى لا تتذكر, ولا تعرف لماذا, ولكن يبدو أن كل آخر مرة فى حياتها كان قد مضى عليها الكثير من الوقت, بينما كانت منهمكة فى عملها.


وعلى ذكر العمل, تتذكر هاتفها المحمول فتخرجه من حقيبتها, تنظر إلى سجل المكالمات لتجد رقمه مدونا فى مكالمات البارحة. تحاول أن تستعيد بعضا مما قالته فى تلك المحادثة فلا تستطيع, كل ما كانت تذكره انها توقعت اتصاله بها عنها, لا ليتحدث عن العمل, فلم تتمالك أعصابها وصرخت فيها غاضبةً.
ليتنى كنت أتذكر ما قلته له حتى أستوعب حقيقة ما يحدث لى الآن.
تغلق هاتفها مرة أخرى, وتسترسل فى أفكارها. كم كانت تكره ألا تكون على دراية بما يجول بداخلها, ألا تعى حقيقة مشاعرها.
هل تحبينه ؟ لا لا كفاكِ هراءً, إذا لماذا غضبت منه حينها ؟ فربما كنتِ تكنين له بعض المشاعر التى لا تدرين عنها شيئا, وربما كنتِ تعلمين ولم تتجرأى يوما على البوح بها حتى لا تضطرى إلى التعلق به خشية أن تضطرى إلى أن تتخلى عنه.


لم تنتبه إلى الساعة إلا والقطار يتوقف. تحمل حقيبتها وتتجه إلى الخارج.
لدقائق تقف متأملة الشارع, السيارات, الناس, منتشية ببرودة الهواء, تستنشق رائحة البحر, تغمض عينيها وتفرد ذراعيها, لأول مرة كانت تشعر بانها حرة.
لحظات وتبدأ السحب بالتكتل فوقها, لتنهمر الامطار بغزارة, فتضفى على المشهد جوا حميميا للأسكندرية فى الشتاء. كانت سعيدة, فرحة, أخت تضحك منطلقةً فى الشوارع, تتجول بين هنا وهناك, حتى انقضى النهار سريعا لتجد نفسها وقد قادتها قدماها إلى ذلك الشاطئ الذى اعتادت القدوم إليه وهى صغيرة. وقفت تتامل غروب الشمس ولمحة الحزن فى عينيها, تعلم ان تلك اللحظة لم تكن إلا النهاية ليومٍ لم تكن تريد له أن ينتهى وهى على علمٍ بانها ستعود فى الغد إلى ما كانت عليه, مكبلةً بقيود الحب, والعمل, والمجتمع.


مجتمع به أناس يتكلمون بلغةٍ غير تلك التى تتحدث بها, يخضعون أنفسهم لتقاليد هم مبتدعوها, ويجرمون غيرهم بقوانين هم صائغوها.
وعملُ أبغضه, ولا اجد لنفسى شيئا فيه ومع ذلك فأنا مستمرة به عملا بتلك المقولة " حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب", ولا ادرى حقا من ذلك الأحمق الذى ألفها وجعل الناس منها حجة للاستسلام للامر الواقع, فكيف بى ان اجد ما أحب وأنا غارقة فى وحل ما أكره.
حب ؟ بل هى مجرد مشاعر أكاد لا أعرف عنها شيئا, وبالرغم من ذلك تؤرقنى, تقيدنى, ولا اعرف كيف التخلص منها.


"فماذا تنتظرين إذا ؟ اللحظة المناسبة ؟ أنتِ تضحكين على نفسك, فلا يوجد فى الحقيقة ما يسمى باللحظة المناسبة، ولكم أهدرنا من العمر زمنا فى انتظارها، ومع ذلك فإننا نهوى اتخاذها عذرا مناسبا لكل ما نتعذر عن القيام به، وسيلة لعدم الإقدام على خطوة ما نخشى ما قد يحدث على إثرها، دافعا للتخلى عن أشياء لطالما حلمنا بها ولم نملك من الشجاعة ما يكفى لأن نحارب من أجلها."


فجأة يصبح الجو أكثر برودة, فتلف الوشاح حول جسدها بقوة, تنظر إلى الساعة لتجد انها قد تخطت العاشرة, فتخرج هاتفها وتفتحه لتتصل بوالدتها وتطمئنها, وما إن ردت عليها حتى صاحت فيها

- انتى فين كل ده ؟ وموبايلك مقفول ليه طول اليوم ؟ كنت هاتجنن عليكى, واتصلت بيكى فى الشغل فالولى ماجاتش أصلا

انتظرت حتى تفرغ كل ما بداخلها من غضب, وبدأت نبرتها فى الهدوء لتقول لها 

-أنا فى اسكندرية, وماقلتلكيش عشان كنت عارفة انك مش هتوافقى, بس اتطمنى انا كويسة, راجعة بكرة الصبح ماتقلقيش عليا


قالتها ولم تنتظر ردا منها, لتغلق هاتفها وتذهب باتجاه وسط المدينة. كانت تتضور جوعا, فذهبت لشراء شيئا لتأكله.
ظلت تمشى إلى أن أنهكها التعب, ولم يكن عندها علم عن كيفية قضائها لما تبقى من ساعات الليل, فاتجهت إلى محطة القطار لتجلس هناك, وأخذت تتابع القلة ممن كانوا متواجدين فى ذلك الوقت, تدقق فى وجوههم وتتساءل كيف ستؤول بهم مصائرهم.
من فرط التعب, غفت قليلا لتستيقظ على الكثير من الأصوات من حولها, تفتح عينيها لتجد أن المحطة قد بدأت تدب فيها الحركة.
تقوم لتشترى كوبا من القهوة, وتجلس تشربها فى انتظار القطار.
فى رحلة العودة لم تستطع إلا أن تنام, لتصحو عند بلوغها القاهرة.



تخرج من المحطة فى اتجاهها إلى الشركة التى تعمل بها, وهناك تدخل لتجده جالس إلى مكتبه يرتشف القهوة, تضع ورقة بيضاء على المكتب, فينظر إليها متسائلا متعجبا 

-إيه دى ؟
-استقالتى !
-نعم ؟ ليه ؟
-عشان انا مكانى مش هنا, وعمره أصلا ما كان هنا, انا طول عمرى بحب التصوير والإخراج, مش فاكرة امتى ولا ازاى شلت الفكرة دى من دماغى و وافقت إنى آجى واشتغل هنا, بس خلاص أنا قررت مش هاعمل تانى حاجة انا مش عاوزاها, كفاية اوى لحد كده

تمشى باتجاه الباب, تاركةً إياه مذهولا بصمته لا يعرف ماذا يقول لها, وبينما هو كذلك فإذا بها تعود وتلتفت له  وتقول له بابتسامةٍ غريبة

- آه وعلى فكرة, انا تقريبا بحبك, مش متأكدة بالظبط بس انا عارفة إنى بَغير عليك جدا وانك بتوحشنى جدا,
بس انا زهقت ومش ناوية أضيع وقتى فى إنى افضل مستنية إنك تنطق أو إنى أتأكد من إنك بتحبنى او لأ,  والحقيقة بقى انى بعد ما قلتها دلوقتى مابقتش مهتمة إنى أعرف, المهم إنى قلتها عشان مافضلش مستنية, عشان ماكملش حياتى كلها فى انتظار.




                                                                                                                  >>> تمت.
                                                                                                             -سلمى عبدالوهاب-

الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

امبارح

ويسألوها عن بكرة
ترد بصيغة امبارح
تقول أصلنا كنَّا
ويقوم مخها سارح

فى كل حاجة كانت ف يوم حلوة
وماعادش ليها وجود

فى كل كلمة قالهالها
وكل حاجة جابهالها
وكل ذكرى سابهالها
وحلم كان فى يوم موجود

وفجأة يتوه
فتمسح بإيدها دموع
كانت خايفة ف يوم تنزل
وتقول بصوت موجوع

أنا أحسن ما تتخضوش
ماهو أصل أكيد بكرة
هيبقى احسن من امبارح
#سلمى_عبدالوهاب

ابتسامتها

ويسألوها عن سر ابتسامتها
ترد تقول مفيش حاجة

وعينها تزوغ 
تشوف يمكن يكون موجود
لحد ما ييجى ويسلم
فتقوم وتمد له إيدها
ويقف ساعة يتكلم

وعنيها من الخجل تلمع
وخدودها تصبح بلون الورد
قلبها يرقص من الفرحة
وهو لساه بيتكلم
وهى لسة خايفة ترد

فيضحك ضحكة ويسألها
مالك ؟ متبرجلة كدة ليه
تقوم بصَّاله مليش, عادى
فيضحك ويقوللها ماشى

ويسكت هو فتتكلم
وبعديها يمشى ويسلم

فتفتكر الكلام بينهم
تروح ضاحكة بصوت عالى
فيسألوها عن سر ضحكتها
ترد تقول مفيش, مالى ؟

#سلمى_عبدالوهاب

أنا الكلمة

انا الكلمة ما بين سطرين
بقت تايهة وعمالة تتاخر


أنا الهمزة اللى فى الأول
وانا النقطة اللى فى الآخر


انا الفتحة اللى فوق السطر
وانا الكسرة اللى بتعافر


وانا الضمة اللى بين الاتنين
ومش عارفة تروح على فين


أنا الشَدَّة فى وقت الضيق
ويوم ما ازهق بحط سكون


أنا الحرف اللى عاش ساكت
ويوم ما نطقت, بقيت مجنون

السبت، 21 ديسمبر 2013

فى انتظار . . . "2"

-لا ولا يهمك يا عم حسين, أنا مش هروح الشغل انهردة, هاخده أجازة.

حياها بابتسامته المعهودة, ومن ثم أغلق باب الحافلة وانطلق.

" أجازة ؟ ", " مش هروح الشغل ؟ "
أخذت تردد تلك الكلمات على مسامعها وهى تعود أدراجها إلى داخل العمارة التى تقطن بها, كان يبدو عليها أنها لم تخطط لذلك, بل فاجأتها نفسها وهى تتفوه بها. تصعد الدرج فى حالة من اللا مبالاة, تحاول أن تجد تفسيرا لما حدث فلا تجد, ولكن يبدو ان عقلها كان فى حاجة إلى الراحة, فنطق عنها قبل أن تفكر فيها حتى. 
تقرع باب الشقة, فتفتح والدتها لتتفاجأ 

-خير فى إيه ؟ نسيتى حاجة ولا إيه ؟
- لأ !
-لأ ؟ أمال إيه, مش هتروحى الشغل انهردة ؟
- لأ !
-هو كله لأ لأ ؟ يا بنتى ماتفهمينى بس جرى إيه 
- مفيش يا ماما, مليش مزاج أروح الشغل النهاردة, أنا داخلة الأوضة ومش عايزة حد يزعجنى لو سمحتى

كانت ترد عليها دون النظر إليها مباشرة, كمن كان يخشى المواجهة, فهى تعرف كم كانت والدتها تستطيع أن تعرف ما بها بمجرد النظر فى عينيها, ومن بعدها تبدأ مرحلة الاستجواب, ويكفى لها أن تضمها إلى صدرها لتبوح لها بكل ما يدور بخلدها, لذا آثرت أن تتحاشاها حتى لا تضطر إلى الخوض فى كلام هى نفسها لا تجد له معنى حتى الآن.
تتركها متجهة إلى غرفتها, تملؤها الحيرة, وقد انتابها القلق على ابنتها, ولكنها فضلت أن تتركها وحدها حتى تهدأ وتأتى لتحكى لها بنفسها.


تدخل إلى الغرفة, تخلع حذاءها, تشد الوشاح من حول رقبتها بقوة وتقذف به بعيدا وتأخذ نفسا عميقا تسمع صوته وهى تزفره.
وقبل أن تنتبه كانت قد ارتمت بين جنبات السرير ولم تكن إلا ثوانٍ لتغط فى نوم عميق.
لم يكن قد مضى الكثير من الوقت على غفوتها, ساعة ربما او أكثر قليلا, ولكنها قد شعرت بانها كمن نام اليوم كله حين استيقظت على صوت جرس هاتفها المحمول. فى البداية أحست بأنه جزءا من الحلم, ولكنها أدركت بعدها بأنه يرن فى الحقيقة, فأخذت تتحسس مكانه باتباع مصدر الصوت, وأخيرا تمكنت من أن تجده ولكن بعد أن كان قد توقف عن الرنين.
تفتح عينيها مرغمة, تنظر إلى شاشة هاتفها لتجد 3 مكالمات لم يرد عليها أحد, وبينما هى كذلك إذ يرن هاتفها للمرة الرابعة, فيفلت منها فَزِعة, ثم تعود لتحمله مرة أخرى, تمعن النظر فى الاسم الظاهر على الشاشة "هو ؟"

تساءلت متعجبة, ترد بنبرة متعالية 
-ألو . . .
ليأتيها الصوت من الناحية الاخرى حانقا, صاخبا, تستطيع أن تستشعر منه كمية الغضب الكامنة بداخله 
-إنتى فين ؟
تبتسم فى داخلها, ولكنها تعاود لترد عليه ببرود 
-فى البيت
بنبرة أكثر غضبا 
-فى البيت ؟ بتعملى إيه فى البيت ؟ إنتى ناسية إن عندنا اجتماع مهم جدا النهاردة وسيادتك لازم تكونى موجودة؟ يلا قومى و. . . . .


لم يكد أن ينهى جملته حتى انفجرت فيه غاضبة, كانت تبدو عليها العصبية الشديدة, بحيث لم يستطع أن يستوعب ما جرى حقا, فلحظة كانت باردة وفى اللحظة التى تليها كانت قد استشاطت غضبا. لم يعهدها هكذا من قبل, فقد كانت دوما هى تلك المراة الدبلوماسية التى تتمنع بحنكتها وهدوء أعصابها حتى فى أصعب المواقف, لم تظهر يوما غضبا رغم ضيقها ومهما اشتد بها من البلاء, كانت خبيرة فى مواجهة الامور والخروج من الأزمات, وإذا كان الأمر يزعجها حقا كانت تصمت لفترة لا تكلم أحدا ولا تشكو شيئا, حتى لى, إلى أن تهدأ وتتمالك نفسها وتكون حينها قد اتخذت قرارا بما يجب عليها أن تفعله فيما تمر به. 
لم أرها يوما على هذه الحالة, إذا فلا بد أن فى الأمر شيئا, وإلا لما كانت لتتغيب اليوم عن الحضور إلى العمل دون سابق إنذار, وبالتالى لم تكن لتهب فىَّ هكذا كالإعصار حتى إننى لم أفهم شيا من كلامها قبل أن تقرر تقطع المكالمة وتغلق هاتفها فى وجهى.


تضع الهاتف جانبا بعد أن تأكدت من إغلاقه هذه المرة, تنظر إلى الساعة لتجد انها لم تتخطى بعد العاشرة صباحا, فتسحب الغطاء وتلتحف به من أخمص قدميها حتى وجهها, كانت تريد الهروب من ذلك العالم من حولها, لم تكن تريد شيئا إلا الصمت.
أخذت تتقلب يمنةً ويسارا فى محاولة منها لتعود لتستكمل نومها مرة اخرى. كانت تشعر بالألم يعتصرها من الداخل, تئن وتتوجع, حتى شعرت بأن روحها تتآكل, حاولت أن تبكى فلم تستطيع.
شيئا فشيئا خفتت الأصوات بالخارج, وثقلت أجفانها, وسكنت روحها, لتعود وتغط فى سبات عميق, لم تصحو منه إلا فى اليوم التالى.


مضى بقية اليوم فى هدوء على غير العادة, كل فترة تدخل والدتها إلى الغرفة لتتفقدها, كانت تعلم بأن هناك خطب ما, ولكنها لم ترد أن تزعجها, وقد سمعتها فى الصباح وهى تتشاجر مع احدهم على الهاتف, تُرى من يكون ولم كانت تبدو عنيفة بتلك الطريقة.
توشك الشمس على المغيب, تدخل إليها وتسألها " انتى هتفضلى نايمة ؟ "
لا ترد, فتزيح الغطاء عن وجهها لتطمئن عليها, فتجدها هادئة مستكينة. تقف قليلا تتاملها, تمسح على رأسها وتقبلها, ومن ثم تخرج وتغلق الباب وراءها.


وعلى صوت أذان الفجر, تستيقظ من نومها, تقوم وتأخذ حماما ساخنا, لتطرأ على ذهنها تلك الفكرة . . . 



                                                                                         >>> يُتبع
                                                                                      -سلمى عبدالوهاب-

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

فى انتظار . . .

فى أحد أيام ديسمبر الباردة, وكعادتها كل صباح, فى السادسة, تنزل لتقف عند أول الشارع فى انتظار الحافلة التى تقلها إلى العمل. تقف متلفحةً بوشاحٍ هندى, مرتدية سترة قرمزية اللون, وتفرك كفيها بقوة من شدة البرد, ومن ثَمَّ ترتفع بنظرها إلى الأعلى لتجد السماء ملبدة بالغيوم, فتضفى عليها إحساسا بالكآبة, وكأن الحياة قد سلِبَت منها.

فكم كانت تكره حين تتغيب الشمس عن الحضور, فذلك وحده كان كفيلا بأن يفسد يومها. ظلت تحدق قليلا فى السماء وكأنما كانت تستجدى الشمس للمجئ, ألا يكفى أن الجو لا يزال متقلبا, فكل يوم هو فى حال, مرة يكون حارا دافئا, واليوم التالى يكون جافا باردا, يكاد أن يشبهه فى كل شئ, ولكن على الأقل فالجو هكذا على الجميع, أما هو, فتقلبات وجهه لا تظهر لأحد إلا لها وحدها.

تنظر إلى ساعتها, وتمتد ببصرها باتجاه الشارع لعلها تلمح الحافلة, ولكن ما من شئ يلوح لها فى الطريق, فتتعجب, فليس من العادة أن تتأخر هكذا, ولكن لا يهم, فقد كانت تحاول أن تحيد بفكرها عنه ولكنها لم تستطع, لتعود وتفكر فيما حدث البارحة.

تعلم جيدا أن ما حدث ليس بالأمر الجلل, وأنه لم يكن عليها أن تلقِ له بالا, ولكنها قد تألمت فى داخلها, ولا تعرف لذلك الألم سببا, ولكن كيف له أن يراها بعد تلك المدة الطويلة, ولا يلقى عليها التحية, وهى تعلم جيدا انه قد رآها وقد تلاقت أعينهما مرات, فى كل مرة كانت تظن أنه سيتقدم نحوها, كان يذهب ليقف مع جمع من الناس لا تعرفهم بحيث لا يتسنى لها حتى فرصة أن تبادر هى بالسلام عليه.

فى تلك الليلة, ظلت لساعات تفكر, هل تلومه على ما فعل, أم تكتفى بتأنيبه, ولكن ماذا تقول له, وحتى لو عرفت جيدا ماذا تقول, بأى حق سوف تقوله, فما الذى يجمع بينهما إذا فيُسوِّل لها أن تعاتبه على فعلٍ كهذا, وماذا إذا لم يفعل ذلك عمدا, وأنه حقا لم يرها كما خُيِّل إليها, فماذا يكون العمل إذَن.

ظلت واقفة هكذا, شريدة الذهن, تُسائل نفسها ما الذى قد دهاها, وكيف لمثل تلك الأشياء أن تشغل تفكيرها, حتى تنبهت إلى صوت آلة التنبيه الصادر عن الحافلة ينبئ بوصولها, وما إن وصلت حتى فُتح الباب, ليظهر من خلفه وجه سائق بسيط يقول لها بابتسامة 
- اتفضلى يا أستاذة, معلش اتأخرت عليكى

فتنظر إليه بابتسامةٍ مماثلة لا تعرف مصدرها
-لا ولا يهمك يا عم حسين, أنا مش هروح الشغل انهردة, هاخده أجازة.


                                                                                                                       -تمت-
                                                                                                           -سلمى عبدالوهاب-

المتابعون