الجمعة، 29 نوفمبر 2013

كيف ننتهى ؟

لا أظن أن أحدا منا لم يمر فى حياته بتجارب باءت بالفشل, وصداقات قد انتهت, وعلاقات لم تكتمل . . . ربما يكون معظمها قد انتهى بسبب خلاف ما أو مشكلة, ولكن هل تساءلت يوما عن تلك التى انتهت هكذا, فجأة, دون سبب واضح يذكر ؟ دون أدنى تبرير لما حدث ؟


تطرق إلى ذهنى ذلك السؤال, وبدأت أفكر فى أن هناك سبب لكل ما يحدث فى تلك الدنيا, حتى علاقاتنا بالآخرين, فكل صداقة او علاقة كان لها سببا ما هو الذى أدى إلى أن تبدأ, حتى ولو كان سببا تافها, حتى وإن لم تعتبره سببا من الأساس, فهو فى النهاية سبب . . . فهل تنتهى علاقاتنا إذا بزوال ذلك السبب ؟ حتى وإن لم تنتهى بعامل العشرة, تجدها قد تبدأ بالفتور شيئا شيئا إلى أن يأتى ذلك اليوم الذى فيه ستنتهى, وربما ستجد أنها كان يجب عليها ان تنتهى منذ زمن, ولكن كان هناك دائما أحد الطرفين الذى يحاول على إبقائها حية لأطول فترة ممكنة, ولكنه لم يكن ليتمكن من الاستمرار إلى الأبد, فحتما كان سياتى عليه اليوم الذى يتوقف فيه عن المحاولة ويفصل عن تلك العلاقة جهاز التنفس, ويعلن وفاتها رسميا.


أذكر فى أحد الأوقات ان قال لى احد الأصدقاء ان ما يجذبه فى المرأة هو قوتها, ولكنها بمجرد أن تحبه تكون قد .استسلمت له وفقدت جزءا من قوتها, فيختفى حينها ما كان يشده إليها, فيقرر أن يتوقف
 ربما أكون قد سخرت من تلك الفكرة حينها, ولكننى بدأت اعيها جيدا الآن, فكثيرا من علاقاتنا مع الآخرين قد تنتهى بمجرد اختفاء ذلك المسبب الذى كان هو سر بدايتها من الأساس, وتلك التى تستمر إما أنها لا تزال محتفظة به, أو أنها قد وجدت شيئا آخر أكثر قوة وفاعلية من أجل تلك العلاقة ان تستمر.


وهذا ما يدفعنى إلى التساؤل عن الذكريات, فهل نحن إذا من نختلقها لنجعل بيننا ذلك الرابط الذى يدفعنا لأن نستمر ؟ هل هى مجرد وهم يجعلنا نتعلق بالأشخاص من حولنا مما يجعل إنهاء علاقاتنا بالآخرين شيئا أصعب مما يبدو عليه فى الحقيقة ؟ حتى إننا قد نضطر إلى خلق ذكرياتنا مع الأماكن ومع الأغانى, وبمجرد انتهاء علاقاتنا مع الأشخاص, تنتهى علاقاتنا بتلك الاماكن بل وقد نكرهها أحيانا, فقط لأنها تذكرنا مما كنا عليه قبلا.


لماذا نفعل كل ذلك إذا, لما نسعى دائما إلى خلق روابط لا أساس لها من الصحة فقط لنشعر بالندم والحزن والأسى . . . لما نسعى إلى اختلاق الذكريات, ونسعى جاهدين لتذكرها, بل ونعمل على الاحتفاظ بما يساعد على استعادة تذكرها . . . لماذا نهوى تعذيب أنفسنا بما لا تستحق, فنضيع عليها فرصا تستحقها.


#سلمى_عبدالوهاب

الخميس، 14 نوفمبر 2013

30 دقيقة !

" 10 دقايق واكون عندك, سلام. "

يغلق معه الهاتف, ويضحك فى داخله, فقد كان يعى جيدا أن تلك العشر دقائق لن تكون أقل من نصف ساعة, خاصةً وأن اليوم هو الخميس, ولولا أن سيارته تعطلت باكرا ذلك الصباح لم يكن لينتظره ليمر عليه ويأخذه, ولكن ما باليد حيلة, فاليوم هو المُتَنَفَّس الوحيد لديه ولما تبقى من أصدقائه للقاء, والهروب من ضغوط العمل التى تلاحقهم عند كل صباح.


وقف فى انتظاره عند بوابة النادى, وبينما كان يضع هاتفه داخل جيبه, فإذا بطفل صغير يصطدم بإحدى ساقيه وهو يركض خلف أخيه يحاول أن يسبقه, فإذا بوالدتهما تلتفت خلفها وتوبخهما, ثم تنظر إلى صاحبنا وتقدم اعتذارها, وتطلب من ولدها أن يعتذر منه, فينظر إليه بعينين تملؤهما الشقاوة وابتسامة بريئة, فينظر إليها قائلا " ولا يهمك . . . "

بنبرةٍ حادة تأمرهما بالمشى خلفها فى هدوء, بينما كان لا يزال يتابع الطفلين فيسمع أحدهما وهو يقول "أنا اللى هاركب قدام, مليش دعوة"
فيضحك بصوتٍ عالٍ متذكرا حين كان يتشاجر مع أخيه حول الجلوس على مقعد السيارة الأمامى. كم يشتاق إلى تلك الأيام, وكم كان يشتاق إلى أخيه, فها قد مرت حوالى ثمانى سنوات منذ قرر أن يسافر للعمل بإحدى دول الخليج العربى, خلالها لم ينزل إلى مصر سوى بضع مرات نكاد لا نراه فيها, فهو كان يأتى إما للعمل أو للانتهاء من بعض الأوراق التى سيحتاج إليها هناك, حتى أصبح الأمر وكأننا لم نعد أكثر من مجرد محطة عابرة فى حياته, وأنه ربما لولا والدتنا لما كان ليزورنا أبدا.


فجأة تلفت انتباهه فتاة صغيرة, تبدو فى السادسة من عمرها, ترتدى فستانا ورديا قصيرا, تركض وتلف فى دوائر حول ساقىّ والدتها, فأخذ يراقبها فى شغف والابتسامة تعلو وجهه, فإذا بها تنتبه له, فتشعر بالخجل منه, وتبدأ فى أن تتوارى خلف والدتها, بينما كانت تختلس النظر إليه فى براءة تامة.
فينظر إليها ويقول فى سره " كم تشبهينها حين كانت فى مثل سنك, أكاد أتذكر اول يوم أصطحبها فيه إلى المدرسة وهى سعيدة بأن أخاها هو من أوصلها, وهو من سيأتى ليأخذها, وها هى الآن قد كبرت والتحقت بالجامعة, وقد صارت شابة جميلة يافعة, حقا لا أصدق كيف يمر الوقت بسرعةٍ هكذا ؟


" أيوة خلاص أنا مروح أهو, مفيش حاجة عايزانى أجيبها وانا جاى ؟ طب شوفى الولاد لو عايزين حاجة . . . "

يلتفت إلى ذلك الرجل الذى كان يتحدث إلى جواره, ويمعن النظر فيه قليلا, يبدو كهلا فى الخمسين من عمره, تظهر على وجهه علامات التعب والإرهاق جرَّاء العمل طوال اليوم. كان يُذَكِّره كثيرا بوالده - رحمة الله عليه - فقد كان كثير العمل, يكد ويتعب من أجلهم, وكم تحمل وبذل من عمره من أجل السهر على راحتهم. كم نفتقد وجودك معنا الآن, فبدونك لم تعد الحياة كما هى, لم تعد أمى كما هى, فدائما ما نشعر بأن هناك شيئا ينقصنا, فكم شقَّ علينا غيابك يا أَبَتى.



يتنهد تنهدة مطولة, ومن ثَمَّ ينظر إلى ساعته, ثم يشيح بوجهه نحو البوابة, يشاهد الناس من حوله, يلمح تلك الفتاة التى تقف من بعيد تلوح بيدها لذلك الشاب الذى كان يقف على مقربة منه, تنظر إليه بتلك الطريقة التى كان يستطيع من خلالها أن يعلم أنها مغرمة به, فقد كانت تشبه نظراتها, قبل أن يقرر القدر أن يفرق بينهما. كان يحبها, وكان على وشك أن يتقدم ليطلب الزواج منها حتى بدأ كل شئ فى الانهيار, فعلاقتهما لم تكن وحدها تكفى, فظروف الحياة كانت أقوى منهما حينئذ, حتى إنه قد فكر كثيرا وقتها فى السفر للعمل بالخارج, ولكنه لم يرد أن يترك أمه وأخته وحدهما, فقرر أن يبقى.
وها هو الآن يعمل بإحدى الشركات الكبرى ويحصل على راتب معقول, يُمكِّنُه  من عيش حياة طبيعية, ولكن أين هو الآن منها ؟ فحياته كلها يقضيها بالعمل, حتى إنه لا يجد وقتا يقضيه مع والدته, فلا يذهب للبيت إلا ليرتاح وينام قليلا استعدادا لليوم التالى, ولم يبق له سوى ما تبقى لهم من يوم الخميس ليلتقى بأصدقائه الذيم لم ينخرطوا بعد فى حياة الزوجية.


فجأة يجد كثيرا من الناس مجتمعين حوله, فينظر خلفه ليجد أن النادى قد بدأ فى إغلاق أبوابه. ويرى مجموعة من الناس بمختلف أعمارهم يبدون كعائلة واحدة, فيتطرق إلى ذهنه كم اعتادوا جميعا أن يجتمع أبوه بأعمامه وأولادهم فى النادى, حتى توفى والدى ومنذ ذلك الحين أخذت اجتماعاتنا تقل شيئا فشيئا لتقتصر على بعض المناسبات فقط لا غير. 


تنطفئ الأضواء, ويفكر فى أن يأتى يوما ويدخل, لعله يستعيد بعضا من ذكرياته المخبأة بين جدرانه, أكاد لا أتذكر متى كانت آخر مرة زرت فيها النادى منذ أن كنت آتى أنا وبعض أصدقائى للمذاكرة, فهل أقترح عليهم ذات مرة ان نلتقى هناك, أم أصطحب أختى معى ونتكلم سويا كما اعتدنا دائما, أم أنتظر حتى يأتى أخى وأصطحب أولاده الصغار إلى هناك. إلى متى سأظل هكذا, فها انا الآن وقد قاربت على الثلاثين من عمرى, ولا أزال فى مكانى منتظرا . . .


يرن جرس الهاتف, فيرد ليجد صديقه : -انا وصلت, انت فين ؟
                                                -أيوة خلاص شفتك. 

يمشى باتجاه السيارة, وما إن يركب ويغلق الباب, فإذا بصديقه ضاحكا :

- مش تقوللى مبروك
-مبروك يا سيدى, بس على إيه ؟
-أخيرا أبوها وافق, وحددنا معاد الخطوبة.



                                                                                                     
                                                                                                                         -تمت-
                                                                                                               -سلمى عبدالوهاب-

المتابعون