الأربعاء، 23 أبريل 2014

الحتة الناقصة

- و بَس يا ستّى.

قالها ضاحكا، لِيَرى كيف تكون ردة فعلها، لترد متعجبةً :

- هو إيه اللى و بس؟ كمِّل!
- لأ مفيش "كمّل"، هو حلو أوى لحد كده.

 يُكمل ضحكه متابعا لها حتى بدأ يعلو صوتها غضبا :

- ماهو ما ينفعش كل مرة تعمل فيا كده، وتنهى الكلام بالطريقة دى، دايما فى حتة ناقصة.

ببرودٍ شديد مصحوبٌ بابتسامة :

- وهو ده المطلوب.
- يعنى إيه؟ أدَوَّر أنا عليها؟
- لأ! بس هى اللى على أساسها هتعرفى تقررى انتى عايزة إيه ومش عايزة إيه.
- عايزة إيه فى إيه؟ دى قصة، وانت اللى بتحكيها وعارف نهايتها، يبقى ليه بقى ماتقولهاش وتريحنى، مش هتخسر حاجة.
- مين قالِك؟ مش يمكن الحتة دى بالذات ماقدرش احكيها؟ أو مش عاوز أحكيها؟ أو يمكن مش هاحكيهالك انتى بالذات، واحكيها لحد تانى؟ والحد التانى ده حتى لو حكيتله فبردو مش هاحكيله كل حاجة، ممكن أشيل جزء من اللى قلتهولك، وهيبقى بردو نفسه يعرف كل حاجة.

بعد أن بدأت تخفض من نبرة صوتها، وتعود ملامح وجهها للهدوء، قالت له :

- مش فاهمة حاجة. وبردو ما فهمتش ايه العلاقة بين الحتة الناقصة اللى مش هتحكيها وبين قراراتك اللى هتاخدها، قرار إيه تحكى إيه ولمين يعنى ولا إيه؟
- هو مش كده بالظبط، بس هافهمك يا ستى.

يعود بظهره إلى الوراء مستندا إلى ظهر الكرسى فى استرخاء استعدادا للحديث، لتتقدم هى بجسدها نحو الطاولة وتأخذ وضعية الإنصات باهتمام، مشيرةً له بيدها ليبدأ :

- فَهِّمنى.
- كل حاجة فى حياتنا مبنية على " الحتة الناقصة " دى، وعلى أساسها بتبدأى تحددى اختياراتك وبالتالى بتاخدى قراراتك.
وده بقى فى كل حاجة، شغلك، دراستك، علاقتك باللى حواليكى، حتى عربيتك وانتى بتشتريها.
ببساطة الموضوع كله عامل زى لما تجربى اكلة فى مطعم برة وتعجبك جدا لدرجة إنك أول ما تروحى البيت تبقى عاوزة تجربيها، فتدورى على طريقتها وتعمليها، بس عمرها ما هتطلع زيها بالظبط، دايما هيبقى فى حاجة ناقصة، فتبدأى تدورى على طريقة تانية وتالتة وعمرها بردو ما هتظبط معاكى، بس فى الآخر هتستقرى على أقرب واحدة للى أكلتيها، وهتحبيها وتعمليها وتزودى انتى بنفسك عليها، ومع ذلك هتفضلى فى قرارة نفسك عارفة ومتأكدة إن فيها حاجة ناقصة.

- طب ما دام كلهم ناقصين، اشمعنى انا اخترت دى بقى؟
- ما هى دى بقى الفكرة، انتى قرارك فى الآخر بيعتمد على أنهى حتة ناقصة تقدرى تستغنى عنها بحيث إنها ماتأثرش على بقية الأكلة، وفى الأول وفى الآخر هى أذواق، يعنى اللى انا اقدر استغنى عنه هنا مش نفس اللى انتى تقدرى تستغنى عنه، وهكذا.

تسود لحظات من الصمت تبدو خلالها حائرة، ليقطع حيرتها متسائلا :

- مش فاهمة بردو؟
- هو أنا فاهمة قصدك . . . بس بردو مش قادرة أجمع إيه العلاقة بين كلامك وحياتنا نفسها؟ قصدى إن أكيد علاقاتنا معقدة اكتر بكتير من مجرد اختيارات مبنية على حتة ناقصة، يعنى لو مشينا كلامك على العربية والشغل وكل الحاجات المادية اللى فى حياتنا، عمرنا ما هنقدر نطبقه على الحاجات المعنوية، زى الحب والصداقة والجواز وغيره.
- جميييييييل ! امسكى فى النقطة دى بقى وفكرى فيها شوية كده عقبال ما اقوم أدخل الحمام وارجعلك.

يقوم من مقعده تاركا لها تلك الكلمات لتفكر فيها، تحاول أن تجد ذلك الرابط بين حكاياته وبين ما يخبرها به الآن، لماذا يكون غامضا دائما، كثيرا ما تكره طريقته فى الكلام التى تجعل كل شئ يبدو معقدا  هكذا، ورغم ذلك فهى تعشق فلسفته للحياة، فكان هذا هو ما جذبها إليه فى البداية.

- اتأخرت عليكى؟

عاد بسؤاله ذاك ليشد كرسيه إلى الطاولة يجلس متكئا عليها، يرشف القليل من كوب الماء الموضوع أمامه، ليستطرد فى حديثه طارحا عليها سؤالا آخر :

- قوليلى . . . إيه الفرق بين الحب والصداقة - بين ولد وبنت طبعا -؟ او بمعنى آخر، إيه اللى بيخلى صداقة تفضل صداقة وصداقة تقلب بحب؟
- هممم . . . مش عارفة، بس غالبا يعنى ان اللى قلبت بحب دى عشان هم الاتنين لقوا فى بعض الحاجة اللى كانوا بيدوروا عليها فى الطرف التانى، واللى كملوا اصحاب بس يا إما ما لقوهاش يا إما . . . لأ، مش عارفة!
- جميل . . . معنى كلامك ان الاتنين اللى قلبت معاهم بحب ما بقاش عندهم حتة ناقصة، بس اللى كملوا اصحاب عندهم؟
- متهيألى . . . أصل اشمعنى دول كملوا والتانيين لأ؟
- عشان اللى كملوا شافوا انهم يقدروا يعيشوا بالحتة الناقصة اللى عند التانى، مقارنةً بالحتت الناقصة اللى عند اصحابهم التانيين.
زى الأكلة بالظبط.
عشان كده كنت بقولك ان الحتة الناقصة هى اساس علاقتك بكل الناس اللى حواليكى، كل ما الحاجات الناقصة اللى عند اللى قدامك تبقى كتير كل ما يبقى الاختيار اسهل، وكل ما بقى اسهل عليكى تحطى مين فى الاصحاب اللى تخرجى معاهم بس، ومين اللى تحبى تتكلمى معاه، ومين يبقى صاحبك اوى، والأصعب دايما - أو اللى الناس شايفاه الأصعب - هو مين اللى تحبيه وتقررى تكملى حياتك معاه.

- يعنى إيه اللى الناس شايفاه الأصعب؟ هو فى اصعب من كده؟
- آه.
بس هو عشان يمكن مش كل الناس عارفاه فمش واخد حقه، وبالتالى مش محطوط له تعريف فى قاموس العلاقات المتعارف عليها.
ممكن تكونى ما جربتيهوش، بس انا شايفه أصعب اختيار فيهم. الشخص اللى علاقتك بيه مش صداقة قوية، لأ هو أزيد حتة، ويمكن حتة كبيرة كمان يمكن توصل للحب، بس فى نفس الوقت أقل من الحب حتة، الحتة اللى ما تخليهوش يستمر ويكمل لجواز.
هيفضل متعلق كده فى النص، مع إنه فى مفهومى الشخصى هو أحسن نوع فى التلاتة، عشان بيبقى مبنى على تفاهم روحى حصل بين الاتنين، بيبقوا فاهمين بعض من غير كلام، بيبقوا محتاجين لبعض جدا، وبيعرفوا ازاى يستحملوا بعض كويس أوى, كل حاجة بينهم بتبقى مختلفة، بس المشكلة بتبقى فى إنهم صعب يكملوا.
- طب ليه صعب؟ 
- عشان مفيش حاجة حلوة أوى كده بتكمل كده، وعشان بردو بيبقى فى بينهم حتة ناقصة، اصلا فى احتمال كبير ان يبقى حد فيهم بيحب حد تانى، بس كان محتاج حد يفهم، ولما لقاه افتكر انه بيحبه، بس بعدين بيكتشف انه بيحب حاجة فيه او يمكن يكون فعلا بيحبه، بس الحب اللى هو مش حب، حب من نوع تانى، حب غالبا يوم ما يحتاج يقرر يستغنى عن واحد فيهم هيستغنى عنه، ويرجع لحبه الأصلى، حتى لو فيه حتة ناقصة.
فاهمة حاجة؟

تصمت قليلا، وترجع بظهرها إلى الوراء، تسند ذراعيها على يدى الكرسى، وبابتسامة واثقة، ونبرة هادئة :


- هو أنا فاهمة . . . بس فى حاجة
- إيه هىَّ؟
- أنا بقى؟ أبقى انهى واحدة فيهم؟.



#سلمى_عبدالوهاب

هناك تعليق واحد:

  1. سلمى انا كتبت التعليق ونسيته لانى فقدت كلمة السر بس رجعت اعلق تانى لقيت الكلام بيجيب نفسه.....انا متعودتش اكتب بالعامية بس نظرا لان القصة الرائعة بالعامية تستحق كل الكلمات سواءا فصحى او عامية.......معرفش جربتى تكونى فى امتحان وتيجيلك مسالة صعبة فتوصلى للخطوة اللى تحل المسالة دى او لما تشربى حجرين شيشة يظبطوا دماغك او لما تكونى بتدورى على كلمة معينة مش لاقياها وواحد من اللى قاعدين يقولها او وانتى ماشية فى عز الصيف وتلفحك نسمة تحول احساسك لجنة......اىبا كان انا وصلنى كل الاحساس ده بعد ما قريتها..... المشكلة الصغرى ان ممكن متلاقيش اللى يتقبل الحتة الناقصة المشكلة الوسطى ممكن الانسان يخاف من انه او انها يكون عندها او عنده اصدقاء ويوصل بيها للمرحلة الوسطى بين الحب والصداقة وان كامت اقرب للحب المشكلة الاكبر ان تكون انت طرفا فى الحب الاصلى ولا تتقبل هذا النوع او لا تؤمن بهذا النوع من الصداقة......سلمى انا متاكد انك هتقرى الكومنت للاخر انا هطلب منك انك تقراى اخر قصة فى المدونة بتاعتى القصة اسمها يوما تحرشوا بها انا عاوز اعرف رايك.......الشكر لمحمد خليفة اللى عمل شير للقصة وادانى الشرف انى اتعرف على كتاباتك من خلال هذه القصة.....عزت مختار

    ردحذف

المتابعون