يبقى ذلك السؤال هو الحجة التى يختبئ خلفها كل من يرى الأنثى كائنا دنيويا ثانويا لا يستحق الحياة مثله، لكل من تسول له نفسه بأن يبرر ما حدث لها من تحرش واغتصاب ويلقى باللوم عليها دون أدنى تفكير فى حقها كإنسان دون تمييز جنسها، وكأنها قد خلقت أنثى ليتم إهانتها والتعامل مع جسدها على أنه سلعة بخسة الثمن تستطيع أيدى أيا من كان ان تطاله، وكأنه حق مشروع عقابا لها لانها قد وُلِدت أنثى.
فى مجتمع مريض كهذا، كيف للمرأة أن تعيش فى سلام، ألا تحسب لخطوتها ألف حساب، كيف لها أصلا ألا تتبرأ منه وتعلن تمردها عليه، وكل ما فيه يشير لها دوما بأصابع الاتهام وهى الضحية الوحيدة هنا. فالأمر -رغم اعتراضى الشديد عليه- قد تخطى مرحلة الملابس المثيرة بكثير، إنه نوع من الهيجان الجنسى الذى قام بإعلاء كلمة الغريزة الحيوانية متنسايا طبيعته البشرية التى لا تفكر قبل أن تفعل، تلك الحالة التى أودت بالكثير والكثير من الفتيات فى الفترة الأخيرة فى مجتمعنا -المتدين بطبعه- ويبدو انها لا تزال، غير خائفة من أى قوانين أو عقوبات تم فرضها على المتحرشين، وكأنهم يقولون لهم و بالفُم المليان "طز"، فهؤلاء لن يردعهم مجرد قانون على الورق، قانون لا يزال يأخذ بالمسميات التقليدية لما يحدث ويسميه تعدى أو تحرش طالما لم يحدث "اغتصاب فعلى"، وكأن ما نلقاه من نظرات وإيماءات وإيحاءات وكلمات لا يكفى، أن يكون الخوف والقلق هو صاحبنا الأوحد فى كل خطوة نخطوها، أن نضطر إلى التغاضى عما يحدث خشية إثارة البلابل والمشكلات أو لأننا نعلم جيدا أننا لن نأخذ حقنا. لا، فلا بد أن ننال جانبا من اللمس وما إلى ذلك حتى يقتنعوا بأن ما تم ما هو إلا انتهاك لآدميتنا قبل أى شئ آخر.
أكتب هذا وأنا لا تفارق رأسى صورة فتاة التحرير من احتفالات تنصيب السيسى والتى تم تجريدها من ملابسها بصورة وحشية من قبل مجموعة لا اجد لها وصف مناسب حتى الآن، فالحيوانات لديهم نخوة عن هؤلاء، بدءا ممن اغتصبوها وأشدد على تلك الكلمة ومعناها، لمن وقف يشاهد ولا يفعل شيئا, وصولا إلى ذلك الذى وقف يصورها دون ادنى شعور بالخجل مما يفعل، فها هو يوثق اللحظة، يخبرها بأنه حتى إذا حاولتى أن تنسى ما حدث -هذا إذا فافترضنا أن باستطاعتها ذلك- فلن تنسى، فسيبقى ذلك الفيديو يذكرك دوما بما حدث، وكأن لا يكفيها ما حدث من ألم نفسى وجسدى، لا، فلا بد أن يبقى ذلك الجرح ينزف إلى الأبد.
إذا كنت أنا، وأنا أشاهد ذلك الفيديو وأعرف مسبقا ما حدث -رغم عدم توقعى لان يكون بتلك الوحشية- أصبت بالألم و "وجعنى قلبى"، وشعرت بالظلم والقهر، فما بالك هى، ترى ماذا ستكون ردة فعلها حين تستفيق، كيف ستكون لديها القدرة لمواجهة نفسها اولا، أن تمتلك من القوة لتعيش وتتعايش مع ما حدث، أن تجلس مع أهلها وذويها - هذا اذا افترضنا أنهم لن يقوموا بتحميلها مسئولية ما حدث والنظر لها بنظرة اللائم دائما-، أن تنزل إلى الشارع مرة أخرى دون خوف. أراهن على أنها ستتمنى الموت على حياة كهذه، بينما من اغتصبوا حقها فى الحياة -حتى وإن تم القبض عليهم- يتمتعون بحياة طبيعية، لا يعرفون معنى للألم النفسى الذى لم يسببوه لها فقط، بل لكل بنات جنسها، وأعتقد لكل من بقوا رجالا.
أنهى مقالى هذا وأنا أعلم جيدا -للأسف- أنه لن يكون أكثر من مجرد مقال آخر سيتم وضعه جنبا إلى جنب مع غيره من المقالات التى تتحدث عن تلك الظاهرة كما يحبوا أن يطلقوا عليها، ولكنها وباء وقد تفشى وبسرعة كبيرة للأسف، مرض ليس له من سن معين، ولا تاريخ ولا معلومة عن كيفية الإصابة به، وكغيره من الأمراض فى مصر، لا زلنا لا نجد له دواء، ولحين ما تجد له الدولة حلا، فلا أرى غير العنف حلا لعله يبث الرعب فى أنفس هؤلاء المرضى، الذين يروننا دائما كائنا أضعف، فلنريهم إذا ماذا يمكن لتلك الكائنات الضعيفة أن تفعل حين تغضب وحين تثور فى سبيل ان تأتى بحقها، فإذا كان القانون ودولته لا يستطيعون حمايتها، فلا تلوموها إذا حين تقوم هى بحماية نفسها.
#سلمى_عبدالوهاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق