الجمعة، 14 يونيو 2013

هين نفسك !

فى البداية أحب أعرفكم بنفسى, أنا طالبة فى كلية الطب بجامعة عين شمس, فى السنة الخامسة, عمرى 22 سنة, لحد دلوقتى لسة بانزل وآخد دروس, بكره الكلية جدا, وبالتالى بقيت بكره البلد جدا جدا, لإن الكلية ببساطة شديدة ما هى إلا جزء من البلد حطيناه تحت الميكروسكوب, يعنى كل اللى بيحصل فى الكلية بيحصل فى البلد بس على نطاق أوسع مش أكتر, مش عايزة أحبطكم ولا حاجة, ولا أنا جاية انهردة أتكلم عن حب البلد والكلام ده لإنه ببساطة ماعادش جايب همه, بس أنا جاية أفرجكو على البلد من جوة.


جرب مرة كده تروح أى مستشفى تعليمى وانت بجد ساعتها هتشوف كل حاجة, هتشوف الناس عايشة ازاى ومش عايشة ازاى, هتشوف العيان الفقير اللى جاى يتعالج فى مكان غير آدمى بالمرة عشان المفروض إن العلاج بالمجان, وفى نفس الوقت تلاقيه واقف بيشحت من الطلبة والدكاترة حق الآشعة والعلاج عشان مستشفى الحكومة مش عارفة توفرهوله.
هتشوف أم لطفل مريض مش عارفة تعمل إيه وهى شايفاه قدامها بيصرخ من الألم وأما من قلقها وخوفها تقعد تنده عالدكتورة أكتر من مرة عشان تتطمن, فتلاقيها بتزعقلها قدام الناس لمجرد إن الأم مش فاهمة, وعشان هى فقيرة فمش هتقدر تعمل للست الدكتورة حاجة, والدكتورة ما بتصدق تطلع غلبها فيها.
هتشوف الأم اللى جاية بابنها العيان عشان الطلبة تتعلم عليه, وشايفة بعينها ابنها بيتهان بس كله يهون عشان الكام مليم اللى بتاخدهم فى الآخر تصرف بيهم على اخواته, هتقول ضميرها مات, معلش, أصلك ماشفتش الفقر ممكن يعمل إيه فى الناس.
هتشوف الطفل العيان اللى بقى مقضى حياته بين أوضة للتانية فى المستشفى, وبين المحاضرة دى للدرس ده, كل ده عشان ملقاش اللى يتعالج بيه, فاهو قاعد بيسترزق بمرضه لحد أما يموت.
هتشوف العيان, الراجل الكبير فى السن اللى بعد الزمن ده كله واقف فى وسط الأوضة عريان, حواليه عشرات من الطلبة اللى بيتفرسوا فيه, واللى بيضحكوا عليه, واللى قاموا يكشفوا عليه وطالما دول طلبة يبقى اسمها بيفعصوا فيه.
هتشوف الست اللى قاعدة معانا فى أوضة الدرس عنيها مدمعة وتحس إنها صعبان عليها نفسها إن الفقر هو اللى خلاها تيجى هنا وتتعرى قدامنا لجل ما تاخد مصاريف العلاج, وتلاقى الطلبة شايفين ده بس مفيش, هيقوموا ويعملوا عليها كل حاجة زى ما هم عايزين, ماهو مش ذنبهم, بس بردو ماهواش ذنبها.
هتشوف العيان اللى وانت بتاخد منه تاريخ المرض وبتسأله عن شغلانته يقولك أنا باشتغل عيان.


هتطلع شوية وتشوف الطالب اللى بينزل من الصبح عشان ياخد تعليم مابيتعلمهوش, عشان ياخد مناهج أغلبها مالوش لازمة, عشان يتعلم بطريقة عقيمة, عشان ييجى يصم الكام كتاب ويرجعهم فى الامتحان من غير ما يفتكر منهم ولا كلمة, وبعدين يطلعلك دكتور بيقول اصل انتو فشلة ودى مش طريقة تعليم, ده على أساس ان احنا اللى مسئولين عن النظام, طب مادام قادر كده ماتوصل الكلام ده للأكبر منك يمكن يتصرف.
هتشوف الطالب اللى بيزق زميله عشان يكشف عالعيان الأول, واللى طول ما هو بيكشف بيفترى وعايز يعمل عليه كل حاجة عشان يتعلم, بلا نيلة.
هتشوف الطالب اللى نازل بس عشان ياخد الغياب ليتحرم من الامتحان, ويقف مذلول للنايب ياخدهوله, وفى الآخر يجيلك دكتور بيقولك هو انتو بتيجوا عشان تاخدوا الغياب ؟ وبعد اما يخلص محاضرة وحد يطلب منه الكلام اللى شرحه يقولك مانتو بتاخدوا دروس, ده غير طبعا الدكاترة اللى يحسسوك إنها غلطتنا, قال يعنى لو كنا لقينا تعليم محترم كنا أخدنا.


ما علينا, نطلع من الطالب لبتوع الامتياز اللى شغلتهم مرمطة, يعنى والله لو سموه فراش يبقى أكرمله, عالأقل أهو عارف معنى الشغلانة اللى بيعملها, وممنالامتياز للنيابة أما تلاقى نايب مطلع عينك عشان الدكتور اللى فوقيه مطلع عينه, وهكذا, وندخل فى دايرة الانتقام, كل واحد بيطلع ما بيصدق يبقى فى إيده سلطة على الأكبر منه يتحكم فيه عشان يحس بقيمة لنفسه, أمال عافضل باتهان طول عمرى ؟!
نوصل بقى لمسك الختام, الأطباء, مش بعمم, بس أنا باتكلم عن أغلبية للأسف, لما تشوف فى الاستقبال مريض بيموت بس عشان مامعهوش بطاقة مايدخلش, لحد ما يموت فعلا قدام عنيهم, وعادى.
لما الدكتور وهو بيشرحلك بيقولك العيان ده بالنسبالك لازم يبقى جماد, ولما يحسسك إن حياة العيان دى ولا تسوى.
لما الدكتور يبقى بيتعامل معاك بعنطزة فارغة, وتحس إنه بيحط راسه براسك, ويتعمد يعستفك فى الأسئلة عشان يثبتلك إنه دكتور وبيفهم أحسن منك, يا عم طب مانا لسة حيالله طالب.
لما الدكتور يتأخر عن معاده, وانت كطالب لازم تفضل قاعد مستنى حضرته ييجى وكإن حياتك ملكه هو وبس يتحكم فيها.


وبعدين يقولك أصل الدكاترة دول ملايكة الرحمة, أنهى ملايكة وأنهى رحمة دى اللى بتتكلموا عنها, الحاجات دى خلصت من زمان, احنا فى بلد تشوف فيها العيان الفقير الجوع واكل ضهره ومحنيه, والحزن مالى قلبه ومفيش ايد بتطبطب عليه, وطالب عمره بيضيع منه فى كلام ملوش معنى, وبيشوف حاجات تكئب وتحزن, ويا ريت عاجب, لأ بيقولوا عليه فاشل, ودكاترة الأمل فى عنيهم يوم عن اللى قبله بيموت, لا هم عارفين يعيشوا فيها ولا قادرين يسيبوها, وناس شايفة الدنيا من فوق, وعمرها ما هتبص عليها من تحت, وبعدين ييجوا يكلموك عن حب البلد, أنهى بلد دى اللى كل اللى فيها من الصغير للكبير بيرضى ويطاطى ويهين نفسه, عشان بس يعيش.




                                                                                                                   -سلمى عبدالوهاب-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون