الاثنين، 17 فبراير 2014

الماضى الحاضر

الحب الأول . . .

هو تلك التجربة التى مهما حاولنا جاهدين أن ندفنها فى أعماق ذكرياتنا, نجد طيفها يلوح لنا كلما سنحت لنا الفرصة لتجربة حب جديدة.
أتكلم عن الحب الأول وانا لا اعنى به تلك المشاعر الأولية التى ربما نكون قد عشناها يوما, ولكننى أقصد به هو ذلك الحلم الذى ربما عشنا من أجله, ذلك الشخص الذى استطعنا أن نُدخله إلى حياتنا ليغير مسارها حتى أصبحنا لا نتخيلها من دونه, كيف وهو الذى عرفنا معه كل شئ لأول مرة, حتى تلك الأشياء التى عرفناها قبلا أضحى لها مذاقا مختلفا, وكأن كل شئ قبله كان ناقصا فجاء هو ليكمله, ليرحل فجأة عن حياتنا ويأخذ معه كل شئ, حتى ذلك الحلم, بعد أن حُفر فيه اسمه, فيصبح من الصعب إعادة صياغته بعد أن فقد أهم عناصره, ليصبح مجرد ذكرى غيره من الذكريات التى خلفها رحيله, وكأن الحياة قد انتهت بانتهاء دوره فى القصة, فهكذا تعودنا أن ينتهى الفيلم بموت البطل, وقد تتعجب من تمكنه من الاستمرار فى حياته رغم عدم وجودك فيها, فتكتشف حينها أنك لم تكن إلا دورا ثانويا فى قصته, حتى وإن كان يبدو لك حينها عظيما, ولربما كان يظن هو ذلك أيضا, حتى وجد من يستحق أن يلعب دور البطولة.


هو ذلك الخوف الذى نتخذه مبررا لكل شئ فيما بعد, فنحن حين نفشل فى تجربة ما يصبح من الصعب أن نخوض تجربة جديدة خشية أن تنتهى بنفس الطريقة, حتى وإن حاولنا الخوض فيها بحثنا عما قد يمنحنا الفرصة للتراجع عن الاستمرار فيها, فنجد أنفسنا نقلب فى دفاتر الماضى ونبدأ فى المقارنة بينهم, فنندهش حين نجد أننا نَحِّنُ إلى ذلك الحلم القديم وقد نختاره على كل ما هو جديد, لا لشئ إلا لأننا قد اعتدنا على ذلك الألم الذى يسببه لنا حتى تعايشنا معه, فما الذى سوف يحدث لنا إذا حاولنا مرة أخرى وانتهى الأمر بالفشل؟ هل سيصبح باستطاعتنا أن نحتمل جرحا جديدا يعيد من إحياء الألم القديم فيظل مفتوحا ولا يلتئم.


هو ذلك الماضى الذى مهما حاولنا أن نتخلى عنه بنسيانه, نجد أنفسنا معلقين بحباله بحيث نصبح خائفين من الإفلات منها, وكأن تشبثنا بها هو ما سوف يعطينا فرصة للنجاة بأنفسنا من كل ما قد يحدث حولنا, فها نحن قد انعزلنا عن الدنيا وصرنا نعيش فى عالم خاص بنا, عالم يحيا على رفات الذكريات, وما إن تنتهى حتى نفيق, لنجد أن كثيرا من الوقت قد انقضى ونحن على هذه الحال, نعيد ونزيد من ذلك المشهد على أمل أن يستمر بجميع أبطاله, وننسى انه فى جميع الأحوال كان سيستمر, حتى يأتى ذلك الشخص الذى يمكن أن يضفى عليه شيئا مميزا, وهنا تحدث المشكلة.


الشخص الصح فى الوقت الغلط . . .

كثيرا ما سمعنا تلك الجملة, والتى ما هى إلا النقاط السابقة مُجَمعة فى جملة واحدة, فهى لن تصدر إلا عن ذلك الشخص الذى ظل طويلا يحلم بالسراب, فأصبح خوفه من القادم هو المسيطر عليه فى كل قرار يُقدِم عليه, حتى صار حبيسا لتلك الفترة الزمنية بحيث نسى تماما أن الزمن يمضى كما هو فى طريقه لا يتوقف عنده, وأن ذلك الشخص "الصح" لم يأتِ فى الوقت الغلط كما يخيل له, ولكن ساعته فقط هى "اللى كانت واقفة".

المشكلة هنا اننا قد نكون بتلك الطريقة نضيع من أيدينا تلك الفرصة التى كان فى استطاعتها أن تغير من كل شئ وتُحدث فى أنفسنا ذلك التوازن الذى كنا قد افتقدناه قبلا.
المشكلة الثانية أن كثيرا منا يبحث عن ذلك الشخص الذى سينسيه كل ما سبق, وكأنه لم يكن, وذلك لن يحدث أبدا, ربما يكون باستطاعته أن يداوى ذلك الألم, ولكنه لن يتمكن يوما من محو تلك الذكرى, فما شعرت به سيظل فى الذاكرة, تتذكره كلما لاحت الفكرة, وصدقنى حينها ستبتسم, فمنها قد تعلمت الكثير, وربما بدونها ما كانت حياتك لتصبح فى تلك الصورة.


فالحب الأول مثله مثل "أول مرة بتاعة كل حاجة" فى حياة كل منا, تجربة نخوضها فنفشل ونتعلم منها, ويبقى اختلافها فى كيفية استعداد كل شخص لخوض التجربة مرةً أخرى. فتجد من يظل خائفا حتى إنه يكاد أن ينفر منها, وتجد من يحاول مرارا وتكرارا حتى تصيب فى مرة منها, وتجد من يحاول ومع ذلك لا يزال يقنع نفسه بأنه فى استطاعته استعادته مرة أخرى, وتجد من يتوقف عن البحث أملا فى انه سيأتى حين يأتى وحينها فقط لن تمنعه أى قوة, بحيث يصبح الحب الأول شيئا من الماضى تتراءى لنا صورته فى الحاضر كل حين ومين, فنتذكرها ونبتسم.




                                                                                                       -سلمى عبدالوهاب-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون